سورة ق - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}
وقوله تعالى: {لَقَدِ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذا} محكي بإضمار قول، والجملة استئناف مبني على سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل: فماذا يكون بعد النفخ ومجيء كل نفس معها سائق وشهيد؟ فقيل: يقال للكافر الغافر إذا عاين الحقائق التي لم يصدق بها في الدنيا من البعث وغيره لقد كنت في غفلة من هذا الذي تعاينه، فالخطاب للكافر كما قال ابن عباس. وصالح بن كيسان، وتنكير الغفلة وجعله فيها وهي فيه يدل على أنها غفلة تامة، وهكذا غفلة الكفرة عن الآخرة وما فيها، وقيل: لجملة محكية بإضمار قول هو صفة لنفس أو حال والخطاب عام أي يقال لكل نفس أو قد قيل لها: لقد كنت، والمراد بالغفلة الذهول مطلقًا سواء كان بعد العلم أم لا، وما من أحد إلا وله غفلة ما من الآخرة وما فيها، وجوز الاستئناف على عموم الخطان أيضًا. وقرأ الجحدري {لَّقَدْ كُنتَ} بكسر التاء على مخاطبة النفس وهي مؤنثة وتذكيرها في قوله:
يا نفس إنك باللذات مسرور ***
على تأويلها بالشخص، ولا يلزم في قراءة الجمهور لأن التعبير بالنفس في الحكاية لا يستدعي اعتباره في المحكى كما لا يخفى.
{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} الغذاء الحجاب المغطى لأمور المعاد وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والألف بها وقصر النظر عليها، وجعل ذلك غطاء مجازًا، وهو إما غطاء الجسد كله أو العينين، وعلى كليهما يصح قوله تعالى: {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} أي نافذ لزوال المانع للابصار، أما على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأن غطاء الجسد كله غطاء للعينين أيضًا فكشفه عنه يستدعي كشفه عنهما. وزعم بعضهم أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى كنت في غفلة من هذا الذي ذكرناه من أمر النفخ والبعث ومجيء كل نفس معها سائق وشهيد وغير ذلك فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون، ولعمري أنه زعم ساقط لا يوافق السباق ولا السياق. وفي البحر وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله وهو في كتاب ابن عطية انتهى، ولعله أراد به هذا لكن في دعوى حرمة النقل بحث، وقرأ الجحدري. وطلحة بن مصرف بكسر الكافات الثلاثة أعني كاف {عَنكَ} وما بعده على خطاب النفس، ولم ينقل صاحب اللوامح الكسر في الكاف إلا عن طلحة وقال: لم أجد عنه في {لَّقَدْ كُنتَ} الكسر فإن كسر فيه أيضًا وإن فتح يكون قد حمل ذلك على لفظ {كُلٌّ} وحمل الكسر فيما بعده على معناه لإضافته إلى {نَفْسٌ} وهو مثل قوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ} [البقرة: 112] وقوله سبحانه بعده {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 112] انتهى.


{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)}
{وَقَالَ قَرِينُهُ} أي شيطانه المقيض له في الدنيا كما قال مجاهد، وفي الحديث: «ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» {هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} إشارة إلى الشخص الكافر نفسه أي هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم قد هيأته لها بإغوائي وإضلالي، ولا ينافي هذا ما حكاه سبحانه عن القرين في قوله تعالى الآتي: {وَقَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [ق: 27] لأن هذا نظير قول الشيطان: {وَلاَضِلَّنَّهُمْ} [النساء: 119] وقوله: {وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم: 22] وذاك نظير قوله: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ} [إبراهيم: 22].
وقال قتادة. وابن زيد: قرينه الملك الموكل بسوقه يقول مشيرًا إليه: هذا ما لدى حاضر، وقال الحسن: هو كاتب سيئاته يقول مشيرًا إلى ما في صحيفته أي هذا مكتوب عندي عتيد مهيأ للعرض، وقيل: قرينه هنا عمله قلبًا وجوارح وليس بشيء، و{مَا} نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد أوموصولة والظرف صلتها و{عَتِيدٌ} خبر بعد خبر لاسم الإشارة أو خبر لمبتدأ محذوف، وجوز أن يكون بدلًا من {مَا} بناء على أنه يجوز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم توصف إذا حصلت الفائدة بإبدالها، وأما تقديره بشيء عتيد على أن البدل هو الموصوف المحذوف الذي قامت صفته مقامه أو إن {مَا} الموصولة لإبهامها أشبهت النكرة فجاز إبدالها منها فقيل عليه إنه ضعيف لما يلزم الأول من حذف البدل وقد أباه النحاة، والثاني لا يقول به من يشترط النعت فهو صلح من غير تراضي الخصمين. وقرأ عبد الله {عتيدًا} بالنصب على الحال.


{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)}
{أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ} خطاب من الله تعالى للسائل والشهيد بناء على أنهما اثنان لا واحد جامع للوصفين أو للملكين من خزنة النار أو لواحد على أن الألف بدل من نون التوكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، وأيد بقراءة الحسن {القين} بنون التوكيد الخفيفة، وقيل: إن العرب كثيرًا ما يرافق الرجل منهم اثنين فكثر على ألسنتهم أن يقولوا خليلي وصاحبي وقفًا واسعدا حتى خاطبوا الواحد خطاب الإثنين، وما في الآية محمول على ذلك كما حكى عن الفراء أو على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل بأن يكون أصله ألق ألق ثم حذف الفعل الثاني وأبقى ضميره مع الفعل الأول فثنى الضمير للدلالة على ما ذكر كما في قوله:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر *** وإن تدعاني أحم عرضًا ممنعا
وحكى ذلك عن المازني. والمبرد ولا يخفى بعده، ولينظر هل هو حقيقة أو مجاز والأظهر أنه خطاب لإثنين وهو المروي عن مجاهد. وجماعة، وأيًا كان فالكلام على تقدير القول كما مر، والإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ثم صار في التعارف اسمًا لكل طرح أي اطرحا في جهنم كل مبالغ في الكفر للمنعم والنعمة {جَبَّارٍ عَنِيدٍ} مبالغ في العناد وترك الانقياد للحق، وقريب منه قول الحسن: جاحد متمرد، وقال قتادة. أي منحرف عن الطاعة يقال: عند عن الطريق عدل عنه، وقال السدي: المشاق من العند وهو عظم يعرض في الحلق، وقال ابن بحر: المعجب بما عنده.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11